العلاج بالتقبل والالتزام .. ماهيته وفاعليته والحالات التي يُستخدم معها
العلاج بالتقبل والالتزام هو أحد أنماط العلاج النفسي وإحدى فروع التحليل السلوكي السريري، إذ ينطوي على الإرشاد النفسي المعتمد على التجربة، وفي المركز النفسي الخاص بنا نلجأ إلى اتباع استراتيجيات نمط العلاج بالالتزام والقبول، لرفع المرونة النفسية والتحرك تجاه السلوك القيم، وبالتالي الانفتاح على العواطف القاسية وتجنب المبالغة في الاستجابة لها قدر الإمكان.
العلاج بالتقبل والالتزام
يُعرف العلاج بالتقبل والالتزام بكونه أحد أنماط العلاج السلوكي المعرفي، إذ يهدف لتعزيز المرونة النفسية، من خلال الدمج ما بين قدرات الذهن وتمارين قبول الذات، ما يساهم في تقبل الفرد لأفكاره وعواطفه وكافة ما يخرج عن نقاط قوته وسيطرته بصورة أكبر.
يذكر أن الالتزام يلعب دورًا محوريًّا ومهمًا في نمط العلاج بالتقبل والالتزام، إذ يجعل الفرد ملتزمًا بمواجهة اضطراباته مباشرةً، عوضًا عن تجنبها، وذلك من خلال إحداث التغييرات الضرورية في سلوك الفرد.
شاهد أيضا :- التدخل للتوافق الزواجي ومدى تأثيره على الاستقرار الأسري
مبادئ العلاج بالتقبل والالتزام
يعتمد العلاج بالتقبل والالتزام على 6 أسس رئيسية، إذ تهدف إلى إرشاد المصابين، وتوفر لهم نمط لتعزيز المرونة النفسية، والآتي بيان تفصيلي بكل منهم على حدة:
التقبل
عبارة عن محاولة الفرد لإفساح المجال لعواطفه المؤلمة عوضًا عن كتمانها أو تغييرها، عن طريق تقبلها والبدء في التأقلم على وجودها، دون الإحساس بالمعاناة تجاهها، أو محاولة الهروب من الإحساس بها، أو إعطائها اهتمام مبالغ به لا حاجة له.
التحرر
في الواقع يتمثل الهدف الرئيس من العلاج بالتقبل والالتزام، في تغيير طريقة التعامل مع التجارب السلبية، عن طريق مواجهتها والتأقلم معها وليس منع التعرض لها، وتنقسم أفكار المرء إلى ما يلي:
- أفكار واقعية، كأن ما يفكر به الفرد يحدث فعلًا.
- حقيقة، أفكار يؤمن بها الفرد بشكل تام.
- أفكار مهمة، يتعامل معها الفرد بجدية ويمنحها كامل اهتمامه وتركيزه.
- أوامر، يتبعها الفرد بشكل تلقائي.
- أفكار حكيمة، يفترض الفرد أنها الأفضل ويتبع نصائحها.
- تهديدات، يسمح الفرد لها بإزعاجه وتهديده.
يعمل التوظيف السليم للتحرر على التمتع بنفسية أفضل وأكثر شمولية لرؤية كافة الأمور على حقيقتها، فعلى سبيل المثال: عوضًا عن رؤية قطعة شوكولاتة مصدر للبهجة، تفصل هذه العواطف عنها والتعامل على حقيقتها.
الذات كسياق
لا يمثل الفرد كافة التجارب والمشاعر والأفكار التي عاشها، بل يوجد نفس خارج التجربة الحاضرة، بمعنى أصح نحن ليس ما يقع لنا فقط، حيث إن مراقبة النفس إحدى جوانب الوعي الإنساني القوي، ومن هذا يمكن للفرد إدراك أفكاره، وعواطفه، وذكرياته، ومشاعره، ودوافعه، والنواحي الهامشية له، ومع ذلك فهي لا تمثل جوهر الفرد؛ نظرًا لتغيرها بصورة مستمرة.
التركيز على اللحظات الراهنة
عبارة عن ممارسة التركيز على اللحظة الراهنة وإدراكها دون إصدار الأحكام عليها، وإعطاء النفس فرصة لتجربة العواطف الناشئة خلالها، وذلك عن طريق اتباع الموجة الثالثة لنمط العلاج السلوكي المعرفي، المتضمن لنمط العلاج بالتقبل والالتزام.
يتطلب ذلك المبدأ عيش وإدراك الوقت الحالي والتركيز على أفعال الفرد، وإضفاء الوعي الكلي للتجربة الحاضرة بتقبل واهتمام، عوضًا عن التركيز في الماضي، والقلق حيال المستقبل.
القيم
تمثل القيم السمات التي يختار الفرد العمل في أي وقت من أجلها، حيث يتمسك البشر بالكامل بكافة القيم الموجهة لخطواتهم سواء بوعي أو بدونه، وفي العلاج بالتقبل والالتزام يسعى المعالج النفسي إلى استعمال الأدوات المساعدة في عيش الحياة طبقًا للقيم والمبادئ التي يعتز بها الفرد.
يعتمد مبدأ القيم على سؤال النفس عن نوعية الشخصية التي يرغب أن يكون عليها طوال حياته، وعما يرغب في الدفاع عنه في تلك الحياة، حيث من المعروف أن القيم تحفز الإنسان على إجراء الكثير من التغييرات الكبيرة، لتكون الحياة ذات معنى ومغزى حتى عند وقوع ما هو مؤلم.
الالتزام السلوكي
في هذا المبدأ يبدأ الفرد في وضع الأهداف ويقوم باتخاذ الإجراءات، حيث يبدأ في إدراك أن لحياته معنى ومغزى، بسبب اتخاذه للإجراءات والقرارات الفعالة، من خلال الاسترشاد بالقيم المرغوب بها حتى يصل لأهدافه.
اقرا المزيد :- مرض الحبسة الكلامية … اسبابه وانواعه وعلاجه
نظرية العلاج بالتقبل والالتزام
تركز نظرية نمط العلاج بالتقبل والالتزام على تجنب الشخص، لمحاولة التحكم بالتجارب النفسية القاسية والعواطف المؤلمة، لكونها تتسبب في ظهور نتائج عكسية؛ نظرًا لكون كتمان تلك المشاعر يتسبب في زيادة الإحساس بالضيق، حيث يتبنى أسلوب العلاج خذا وجهة النظر التي ترى وجود عدة بدائل لتغيير أسلوب التفكير، وتتمثل تلك البدائل في:
- اليقظة.
- الالتزام بالعمل.
- الاهتمام بالقيم والسمات الشخصية.
- اتخاذ إجراءات جادة وفعالة لتغيير السلوك، وبنفس الوقت تعلم كيفية قبول التجارب المؤلمة.
مسار وآلية عمل العلاج بالتقبل والالتزام
يهدف العلاج بالتقبل والالتزام إلى ما يلي:
- تعلم الإنصات للحديث الداخلي، وتحديد الأسلوب المستخدم في التحدث مع الذات عن المشاعر والأحداث السلبية.
- تحديد تتطلب المشكلة إجراء سريع وتغيير جذري لتجاوزها، أم يتطلب قبولها كما هي والبدء في تعلم واكتساب سلوكيات تساهم في التقليل من وطأة وتأثير المشكلة.
- ينظر المعالج النفسي إلى أنماط التفكير وسلوكيات الفرد، الذي اعتاد أن يمارسها سابقًا ولم تفي بالمطلوب، بل كانت تؤدي لنشوء اضطرابات له على المدى البعيد، حتى يساعده على معرفتها والتوقف عن فعلها واستبدالها بأفكار وتصرفات مرنة وأكثر إيجابية.
- بمجرد مواجهة الفرد لاضطراباته الحالية وقبولها، فهو يلتزم بممارسة تصرفات أكثر إيجابية وثقة وتناسب أهدافه وقيمته، وتجنب الخوض في الماضي ومحاربته.
قد يهمك :- ما هو الارشاد الاسري؟ وما هو دور المرشد الأسري في المجتمع؟
ما هي الحالات المرضية التي يستخدم فيها علاج التقبل والالتزام؟
يعتبر العلاج بالتقبل والالتزام من العلاجات النفسية الفعالة للاضطرابات النفسية التالية:
- التوتر والقلق المرتبطان بالعمل.
- متلازمة الاكتئاب.
- الوسواس القهري.
- مرض الذهان.
- داء السكري.
- الإدمان.
- القلق الاجتماعي.
- الألم المزمن.
- قلق الاختبار.
- متلازمة القلق المعمم.
قد يهمك :- أخطر أنواع الأمراض النفسية (أخطر 18)
تقنيات العلاج بالتقبل والالتزام
هناك العديد من تقنيات وتمارين العلاج بالتقبل والالتزام التي تستخدم في علاج الاضطرابات النفسية، وتتمثل في النقاط التالية:
تداخلات اليأس الإبداعي
تساهم استراتيجيات اليأس الإبداعي في استبعاد الفرد للمجالات المراد تحسينها، والبدء في تحديد خطط عمل تساهم في بلوغ أهدافه، إذ تحتوي تلك التداخلات على أجزاء من التعلم، والوعي الذاتي واليقظة، فهي تكون بمثابة قدرات إبداعية لكونها تمنح الفرد الفرصة لتجربة ما لم يفعله مسبقًا.
إزالة التمعدن
في الغالب ما يكون هناك علاقة ما بين إزالة التمعدن وتشوه العقل الذهني، حيث يساهم ذلك التمرين في إعادة تعريف العواطف وعمليات التفكير لدى الفرد، من خلال توضيح تقنيات التشويش المعرفي، التي تعمل على تعليم الفرد كيفية تغيير أفكاره نحو الإحساس بالمعاناة والسلبية، ودعمه لتجاوزها دون الحاجة لإنكار وجودها أو محوها من ذاكرته.
استراتيجيات القبول
يمكن للفرد أن يسعى لتنمية قدرات القبول لديه عن طريق رؤية المسرحيات الطريفة، أو الدخول في محادثات، أيضًا عن طريق تمثيل الأدوار المختلفة، أو ممارسة تمارين محددة أو إجراء أوراق عمل.
حيث تتمثل الفكرة الكلية لاستراتيجيات القبول في فك الخطاف للفرد وإعطائه الفرصة لمعرفة أن كافة الأفكار ليس من الضروري أن يتم تحويلها إلى أفعال، تحديدًا عند مساهمتها في الإحساس بالمعاناة، والألم، والقلق، والتوتر، إذ تعمل استراتيجيات القبول على دعم الفرد للتمييز ما بين الأفكار والمشاعر والأنماط السلوكية سواء كانت منتجة أم لا.
يعتبر العلاج بالتقبل والالتزام أحد الأنماط المثالية، والفعالة لمعرفة كيفية التعامل مع التجارب السيئة والأفكار السلبية، حيث يجب على الفرد معرفة أن الألم والمشاعر القاسية والفشل والنجاح لا يجب الهروب منهم، لأنهم أجزاء أساسية من الحياة، المعروف أنها من النادر أن تستقيم على وتيرة ثابتة.
المصادر :-